يبدو أن حالة التأزم التي بدأت تكبّل مجلس الوزراء وتحصر دوره في مقاربة الملفات العادية فقط سيطول أمدها في ظل الانسجام المفقود بين مكونات الحكومة، والانقسام الكبير حيال العديد من القضايا والملفات التي على المجلس البتّ بها، وهذا يعني أننا مقبلون على وضع سياسي بالغ التعقيد يعصب معه الإقدام على اتخاذ بعض الخطوات الآيلة إلى ترتيب البيت الداخلي ليكون لبنان على جهوزية للتعامل مع أي مستجدات تطرأ على مستوى المنطقة، خصوصاً وأن منسوب الحديث عن التحضير لتسوية كبرى بدأ يرتفع وسط الحراك السياسي الناشط بين القوى الإقليمية والدولية الفاعلة لا سيما روسيا والولايات المتحدة الأميركية اللذين في ما يبدو قد وصلا إلى قناعة بضرورة الدفع في اتجاه وضع الحلول للأزمات المفتوحة في المنطقة وفي مقدمها الأزمة السورية، قبل انشغال واشنطن في التحضير الفعلي لانتخاباتها الرئاسية المقررة في الخريف المقبل. وفي هذا السياق يأتي اللقاء المرتقب اليوم بين وزيري خارجية أميركا جون كيري والروسي سيرغي لافروف في جنيف والذي يؤمل أن يتمخّض عنه تفاهم على بعض الأفكار التي تؤدي إلى تهيئة المناخات الملائمة للتسوية التي تضع حدّاً للحروب الدائرة إن في سوريا أو العراق واليمن والتي من شأنها أن تسهّل الانتقال إلى معالجة باقي الأزمات ومن بينها الأزمة اللبنانية المتمثلة بالفراغ الرئاسي وشلل المؤسسات.
وفي تقدير مصادر سياسية متابعة أنه لم يعد من أمل يُرتجى في إمكانية الوصول إلى حل داخلي في لبنان وأن الأنظار باتت متجهة بالكامل إلى ما يجري خلف البحار لا سيما بين دول القرار في ما خصّ التفاوض الجاري لوضع تصوّر مشترك لحل أزمات الشرق الأوسط.
وتكشف هذه المصادر أن معظم القيادات اللبنانية باتت في هذه الأجواء، وهي تلقت إشارات واضحة عبر العديد من القنوات الدبلوماسية العربية والأجنبية بضرورة المحافظة قدر الإمكان على الاستقرار العام في لبنان بانتظار أن تلفحه رياح المعالجات في المنطقة فيستفيد منها للولوج إلى انتخاب رئيس الذي يُعتبر المفتاح الرئيس للأبواب المغلقة على الاستحقاقات الداخلية.
وفي رأي المصادر أن جهوداً دولية تُبذل فوق العادية للوصول إلى تسوية ما في المنطقة قبل نهاية هذا العام، وفي حال لا قدّر الله فشلت هذه الجهود في الوصول إلى هذا الهدف فإن ذلك يعني أن أمد الأزمات سيطول سيّما وأن الدول الكبرى المعنية ستنشغل باستحقاقاتها الداخلية وستقفل نوافذها على الخارج إلى حين إنجاز هذه الاستحقاقات وهذا بالتأكيد سيأخذ بضعة أشهر لأن أي رئيس جديد للولايات المتحدة على سبيل المثال سيتفرغ في الأشهر الأولى من استلامه الحكم للامساك بالملفات الداخلية وترتيب الأولويات ومن ثم ينطلق في اتجاه مقاربة الأوضاع التي تعني بلاده في الخارج، وهذا الأمر يعني اننا سنكون امام أربعة أشهر بالغة الخطورة فإما ننقل معها إلى رحاب الحلول والاستقرار وإما نبقى في خضم الأزمات المفتوحة على كل الاحتمالات.
وتعتبر المصادر ان تفاقم الأوضاع في المنطقة في الوقت الراهن إن على الصعيد السياسي أو الميداني هو الذي يرخي بثقله على الوضع اللبناني الذي يشهد حالة من التشنج والكباش السياسي لا سيما بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» اللذين يتبادلان الاتهامات في ما خص تعطيل الانتخابات أو فرملة عمل الحكومة وشل البرلمان، وهذا الوضع هو نتيجة استمرار انقطاع الجسور بين المملكة العربية السعودية وإيران، فكلما استعر الوضع بين هذين البلدين ارتفعت حدة التشنج السياسي في الداخل اللبناني، وهذا الوضع لن يتغيّر بالتأكيد الا في حال نجحت بعض الاتصالات الجارية بعيداً عن الأنظار والتي تقوم في جانب منها روسيا في تهدئة الوضع بينهما لأن ذلك يخلق مناخات ملائمة للعمل على إنضاج التسوية المرتقبة للمنطقة.
وبانتظار تبلور المشهد الإقليمي في ضوء حركة التواصل القائمة على الخط الروسي - الأميركي ومنه باتجاه بعض دول الخليج تفتيشاً عن المخارج الملائمة للأزمات المتعددة في المنطقة، فإن المصادر السياسية المتابعة ترى ان الوضع السياسي اللبناني سيبقى على حاله بين المد والجزر غير ان ذلك لن يصل إلى حدّ الاطاحة بالحكومة المحاطة برعاية إقليمية ودولية، وأن كل السجالات التي تحصل بين فترة وأخرى لن تؤثر على مصير هذه الحكومة، وإن كان ذلك يفرمل عملها ويُخفّف من انتاجيتها على شاكلة الأزمة المندلعة على خلفية التعيينات العسكرية حيث أبرز عدم تماهي حلفاء العماد عون في مقاطعته لجلسة مجلس الوزراء أمس بأن لا قدرة لأحد على تحمل وزر إسقاط الحكومة باعتبار ان الوصول إلى هذه الحالة يعني قذف البلد برمته باتجاه المجهول.